شباب يعملون لتحويل السعودية إلى جنة خضراء

إنه يوم السبت صباحا و موكب من السيارات فيها مجموعة من الشباب منطلقة إلى خارج مدينة الرياض و إلى مدينة ثادق تحديداً وهي مدينة صغيرة تقع شمال العاصمة الرياض يغلب عليها الطابع الصحراوي، ومعهم الشابة منيرة الهزاني، التي تستعد للانطلاق معهم محملة معها بعض الشتلات لنباتات محلية.
اليوم بالنسبة لمنيرة هو يوم آخر من الاختبارات البيئية، فهو يوم ستقوم فيه بالمساعدة على إعادة تلك النباتات لموطنها الأصلي، بعد أن قضت منيرة و فريقها عدة أشهر في البحث ودراسة طبيعة الأراضي هناك، والتحدث مع الخبراء وسكان المدينة لمعرفة التاريخ النباتي للمنطقة و نباتاتها المحلية التي انقرضت جراء التغيرات المناخية.  اليوم ستشهد منيرة تأقلم الشتلات في موطنها الأصلي، بينما تختبر مدى الوعي لدي الشباب وسكان المدينة أيضا بأهمية تلك النباتات
والمحافظة عليها. 

 
حيث أخذت منيره على عاتقها مع فريقها وعدد من المهتمين من الشباب المتطوعين تشجير تلك الأراضي بنباتات محلية تحتمل قسوة الطقس و المناخ الصحراوي  لأغلب مناطق المملكة. وليس هذا فحسب بل قررت الهزاني بأن تأخذ هذه المهمة لبعد آخر وأسست عام ٢٠٢٠ جمعية النباتات السعودية الأولى من نوعها ، وهي حلم كانت تعمل عليه وأصدقائها بشكل تطوعي قبل ذلك بأعوام، لمكافحة التصحر من جهة و للحفاظ على النباتات المحلية وإنشاء الحدائق النباتية ونشر الوعي بمدى أهمية النباتات في مواجهة تغير المناخ من جهة أخرى


وعن ذلك وضحت منيرة : ” في السعودية يوجد أكثر من 2000 نوع من النباتات والتي تعد المنطقة موطنها الأصلي وهو يخالف ما يعتقده البعض بأنها منطقة خالية من أي نباتات ، لذا نعمل حاليا على هذه التوعية  للحفاظ على أنواع النباتية المحلية ، وتجديد الاهتمام بعلم النبات. لدينا مهمة سامية ، نحن نرغب في إنشاء مجتمع علمي وثقافي يسعى إلى الحفاظ على النباتات المحلية وتعزيز العلاقة القديمة بين الناس وعالم النبات وهو مجتمع متناهي الصغر حاليا”

مبادرة السعودية الخضراء

منيرة هي واحدة من بين الشباب والشابات المبادرين لحماية البيئة في السعودية، المهتمين بالتوعية بخطورة التغير المناخي على المملكة التي تعد أكبر البلدان المنتجة للنفط في العالم، وقائدة في إنتاج الوقود الأحفوري الذي يساهم بشكل كبير في التلوث البيئي وفي تغير المناخ وفي حال عدم العمل على مبادرات مناخية ستكون  أجزاء كبيرة من المملكة غير صالحة للسكن .
هذا ما يحاول الشباب السعودي تغييره من خلال القيام بالكثير من الجهود البيئية والعمل مع الجهات الرسمية المختصة لتقديم التوعية المناسبة و إطلاق حملات  من أجل تشجير الأراضي وتعزيز الممارسات الصديقة للبيئة في خطوات يسعون من خلالها للوصول للهدف الأكبر والأصعب وهو تحويل الرياض لجنة خضراء وهو الهدف الذي تسعى السعودية بأكملها للوصول له ومنذ عام ٢٠١٩

ففي عام٢٠١٩ أطلقت السعودية  مشروع الرياض الخضراء و الذي يعد واحد من أهم المشاريع البيئية المتميزة، وواحد من أكبر مشاريع التشجير طموحًا في العالم، حيث يهدف المشروع إلي زراعة ٧.٥ مليون شجرة منها ٧٢ شجرة محلية.

ويغطي برنامج التشجير في “مشروع الرياض الخضراء” معظم عناصر ومكونات المدينة، كتشجير المدارس و الطرقات و الحدائق العامة ومواقف السيارات وغيرها من المساحات التي في معظمها خالية من الأشجار.
ويهدف المشروع إلى زيادة نسبة المساحات الخضراء لتحسين جودة الهواء وخفض درجات الحرارة في المدينة، رفع نصيب الفرد من المساحة الخضراء في المدينة، وتشجيع السكان على ممارسة نمط حياة أكثر نشاطاً وحيوية بما ينسجم مع أهداف “رؤية المملكة 2030 “

وإن كان نطاق العمل لمنيرة و جمعيتها محصورا في النباتات، إلا أن نظرائها من الشباب في منظمة فسيل تبنوا قضية البيئة على نطاق محلي أكبر و نطاق دولي كذلك ، حيث يعمل الشاب مشاري آل سعود رئيس مجلس الإدارة والعضو المؤسس لجمعية التنمية البيئية – فسيل” مع نائبه خالد الغامدي و مدير الجمعية على العمل بشكل أكبر لزيادة الوعي العام لتغيير السلوكيات والعادات الاجتماعية تجاه البيئة.

ومنذ إنشائها في عام ٢٠١٧ تعمل فسيل كمنظمة غير ربحية تعنى بالاستدامة البيئية،  بقيادة مشاري و خالد على الحملات التوعوية و انشاء الفرق التطوعية  وكذلك التعريف بأهداف التنمية المستدامة، ومع الصعوبات التي واجهتم في ذلك الوقت كون المواضيع البيئة ليست بالمواضيع الأهم لدى الغالبية الشبابية ، إلآ أن حملات التشجير و تنظيف المخلفات في البيئة لاقت استحسان البعض و أخذت أعداد المشاركين بالازدياد ومنذ عام ٢٠١٩ ومع انطلاق مشروع الرياض الخضراء.

 بدأ الفريق بالعمل بخمسة أشخاص متطوعين في البداية، وتضم فسيل اليوم ٥٠ عضو مؤسس وعضو في الجمعية و ١١ الف متطوع وهي الجمعية البيئة الشبابية الوحيدة التي تعنى بتمكين الشباب ورواد الأعمال والمؤسسات غير الربحية في قطاع البيئة بحسب مشاري
” تعمل فسيل اليوم على أن تكون الجسر الذي يربط القطاع الخاص و العام والأهلي والمجتمع المدني  للعمل برؤية واحدة نحو وطن مستدام”


فسيل تشارك في مؤتمر مجموعة العشرين في الرياض

ومن هذا المنطلق شارك مشاري و فريق فسيل  في قمة العشرين المنعقدة في الرياض٢٠٢٠ ومثلت فسيل المملكة في مجموعة العشرين ضمن مجموعة عمل (C20) المتعلقة بالطاقة والمناخ والاستدامة. وقدمت في عدة جلسات الدراسات و التوصيات و تم تبني 9 توصيات منها لرئاسة العشرين.
ومنذ ذلك الحين يعمل خالد و مشاري و فريقهم بشكل مكثف و شبه يومي على عملهم البيئي شواء بعقد الشراكات البيئية وعمل الأبحاث والدراسات والعمل مع صناع القرار لتبني المبادرات المختلفة والتركيز على بناء جيل واعي بيئياً و إغتنام الفرص للتخطيط للحملات
المختلفة 

وبالفعل ما أن أعلنت السعودية في أكتوبر الماضي ٢٠٢١ عن أكبر مبادرتين بيئية في المنطقة: مبادرة السعودية الخضراء، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر و خلال مؤتمرها البيئي الأول  والذي ذكر  فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الخطة البيئية الجديدة: “اليوم ندشن الحقبة الخضراء الجديدة للمنطقة، نقودها ونقطف ثمارها سوياً، إيماناً منا بأن آثار التغيّر المناخي لا تقتصر على البيئة الطبيعية فقط، بل تشمل الاقتصاد والأمن”  حتى تبنت فسيل هذا النهج.

فمع إنطلاق الحزمة الأولى من المبادرات النوعية في المملكة؛ لتكون خارطة طريق لحماية البيئة ومواجهة تحديات التغيُّر المناخي، و الإسهام في تحقيق الأهداف البيئية المرجوة. ووضع  مبادرة السعودية الخضراء  ل٣ أهداف رئيسية لها: تقليل الانبعاثات الكربونية ، زراعة ١٠ مليارات شجرة في المملكة بحلول ٢٠٦٠ وحماية المناطق البرية والبحرية.

حتى إنطلقت كلا من  فسيل و جمعية النباتات في عدد من المبادرات،  وإن تبنت فسيل كافة أوجه المبادرة السعودية إلا أن الأخيرة تبنت التشجير بالنباتات المحلية فقط.

وعُقدت خلال فعاليات المنتدى، قمّة “الشباب الأخضر” معه،  كمنصة للتوعية بأهمية القضايا البيئية، ووضع السياسات الكفيلة بمعالجتها من منظور شبابي،  وسعت فسيل ممثلة بمؤسسها مشاري والفريق معه إلي التباحث مع المشاركين في القمة  حول حلول لصياغة مستقبل العمل المناخي في إطار أنشطة تفاعلية ونقاشات مكثَّفة خاصة بالشباب. 

وبعدها عملت فسيل على عقد المزيد من ورش العمل الشبابية والدورات التدريبية لزيادة الوعي وتكثيف العمل المناخي خاصة في مجال التشجير و تبنت غرس مئات الأشجار من نبات الطلح والشاف في عدة من مناطق المملكة كونها النباتات التي /أوصت بها وزارة الزراعة والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي.

ولكن مع كل هذه الجهود المكثفة لا تزال هناك الكثير من العمل للقيام به ، هذا العمل ليس بالشيء السهل حيث لا توجد أي بيانات سابقة للاستعانة بها وفي معظم الأوقات يكون العمل فردي، فهم يعملون على إنشاء مشاريع جديدة ليست موجودة سابقا و بنائها للأجيال الجديدة ليس في السعودية فحسب ولكن في المنطقة بأكملها

وبحسب منيره الهزاني: ” نحن نبني اليوم مشاريع خاصة بالنباتات وأرشفة وصناعة منشورات عن النباتات ، كما نساهم مع شركائنا في بناء أول حديقة وطنية خاصة بالنباتات المحلية “

وعليه وقعت الجمعية في نهاية العام الماضي أول مذكرة تفاهم تعد الأكبر من نوعها للجمعية مع هيئة تطوير بوابة الدرعية التاريخية وهي أحد المشاريع الأكبر في المملكة و التي تتبناها رؤية ٢٠٣٠، بهدف التعاون في تطوير المشاريع الخاصة وفي بالمجالات النباتية بالدرعية التاريخية، ونشر الوعي المجتمعي بأهمية النباتات والمساحات الخضراء، والمساهمة في تطوير أول حديقة وطنية خاصة بالنباتات المحلية في محافظة الدرعية” .

هذا المشروع هو جزء لا يتجزأ من مهمتنا ، القادم أجمل حيث نطمح لنساهم ولو بالقليل في حماية النباتات البرية المحلية من الانقراض وتنميتها من خلال والحدائق النباتية في المملكة، ونعمل اليوم على إعداد الدراسات والأبحاث بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث لنصل لوجهتنا المستقبلية ”  



في خلال عام واحد تحقق الكثير فبحسب البيانات الرسمية لمبادرة الرياض الخضراء ، تم زراعة ٧ مليون شجرة وشجيرة في  العاصمة الرياض وتم تشجير الكثير من مناطق و طرقات الرياض بشكل لم يشهده سكانها من قبل وذلك لم يكن ليتم لولا تظافر الجهود و بجهود شبابها ومؤسساتهم المدنية تشق الرياض طريقها بثبات لتكون رياضا كما الماضي.

Leave a Reply